يعد تغير المناخ أحد أكثر المشاكل إلحاحا التي تواجه البشرية والأرض اليوم، وهذه المشكلة العالمية ليست ظاهرة جديدة، وفي الواقع، لقد حدث ذلك عدة مرات في الماضي، ومع ذلك، فإن معدل تقدمه في العصر الحديث مثير للقلق للغاية، وهو يؤثر على الحيوانات والنباتات أيضا، وتظهر الكثير من الأدلة العلمية أن تغير المناخ الناجم عن عوامل طبيعية ومن صنع الإنسان كارثي على الحيوانات بشكل مذهل، مما يؤدي إلى تناقص عدد الأنواع، ومع ذلك، هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن مجموعات معينة قادرة على التكيف مع تغير المناخ، ومن المدهش أن تستفيد منه.
1- رأسيات الأرجل:
بالنسبة للعديد من الحيوانات البحرية يعتبر تغير المناخ حدثا كارثيا، ولكن بالنسبة لمجموعة معينة من الكائنات البحرية على وجه التحديد رأسيات الأرجل، فهو في الواقع ظاهرة مفيدة، ووجد العلماء أنه على مدار 60 عاما، زاد عدد رأسيات الأرجل (المجموعة الحيوانية التي تشمل الحبار والأخطبوط والحبار)، وتم العثور على هذه الزيادة عن طريق الصدفة، وكان فريق من العلماء بقيادة زوي دوبليداي من معهد البيئة الأسترالي بجامعة أديلايد يحققون في انخفاض أعداد الحبار الأسترالي العملاق في جنوب أستراليا.
وبعد مراجعة معدلات الصيد لـ 35 نوعا من رأسيات الأرجل بين عامي 1953 و 2013، وجد الباحثون أنه بدلا من الإنخفاض، كان عدد سكان رأسيات الأرجل ككل يتزايد بالفعل، وفي الواقع، حتى الحبار الأسترالي العملاق الذي اعتقدوا في الأصل أنه يحتضر، كان مزدهرا، ويمكن أن تعزى قصة النجاح هذه إلى القدرة الشديدة على التكيف لدى رأسيات الأرجل، ومن أجل التعامل مع ارتفاع درجة حرارة المحيط، تعدل هذه الحيوانات معدل نموها أو الحجم الذي تنضج به وتتكاثر، وتتميز رأسيات الأرجل بالمرونة لدرجة أنه يطلق عليها أعشاب البحر.
2- بعوض القطب الشمالي:
على مدى القرن الماضي، زاد متوسط درجات الحرارة في منطقة القطب الشمالي بشكل كبير، ويتوقع باحثون من كلية دارتموث أنه إذا استمر الارتفاع في درجة الحرارة، فإنه سيزيد بشكل كبير من عدد بعوض القطب الشمالي، وأظهر باحثون من دارتموث أن درجات الحرارة الأكثر دفئا في الربيع مكنت بعوض القطب الشمالي من النمو بشكل أسرع والظهور في وقت مبكر.
ولنكون أكثر تحديدا، مع كل زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1 درجة مئوية (1.8 درجة فهرنهايت) فإن مقدار الوقت الذي يحتاجه البعوض للتطور من اليرقة إلى مرحلة العذراء ينخفض بنسبة تصل إلى 10 بالمائة، وهذا النمو المتسارع يمكن البعوض الصغير من التهرب من خنافس الغوص، وهي أكبر الحيوانات المفترسة المائية له، مما يزيد من احتمالية بقائه على قيد الحياة، وقد تكون هذه أخبارا جيدة لبعوض القطب الشمالي، ولكنها أخبار سيئة للوعول الحيوانات التي تتغذى عليه الحشرات، وستعمل درجات الحرارة المتزايدة على مزامنة دورات حياة مجموعتي الحيوانات، مما ينتج عنه قطيع أكبر وأقل حركة يتغذى عليه.
3- خنافس الصنوبر:
في عام 2008، قام جيفري ميتون وسكوت فيرينبرغ بمسح أشجار الصنوبر الموجودة في نيوت ريدج في كولورادو، وأثناء التنزه في الغابة في منتصف يونيو، واجهوا شيئا غريبا سرب من خنافس الصنوبر البالغة، ووجد ميتون، وهو عالم وراثة تطوري من جامعة كولورادو أن هذه الظاهرة غريبة حيث كان من المفترض أن تظهر الحشرات في أغسطس أو سبتمبر، وليس يونيو، وشارك ميتون هذه الملاحظة مع زملائه لكنهم رفضوا ادعائه على الفور، جنبا إلى جنب مع فيرينبرغ الذي كان طالب دراسات عليا في ذلك الوقت، وأمضى ميتون صيفي 2009 و 2010 في دراسة تطور خنافس الصنوبر، وخلال دراستهما، وجد الباحثان أن الخنافس في البداية ستتطور بشكل طبيعي، ومع ذلك، سيحدث شيء رائع بعد ذلك حيث تصل الحشرات إلى مرحلة النضج بسرعة كبيرة، وبحلول شهر يونيو، تحولت اليرقات إلى حشرات بالغة وخرجت من أشجارها.
الأمر الأكثر إثارة للإهتمام هو أن الخنافس التي ظهرت في شهر يونيو كانت تضع بيضها على الفور على أشجار الصنوبر القريبة، ونتيجة لذلك، بحلول أغسطس أو سبتمبر، سيكون هناك جيل آخر من خنافس الصنوبر، وهذا الإكتشاف رائع للغاية، حيث من المعروف أن خنافس الصنوبر تتكاثر مرة واحدة فقط في السنة، ويشير بحث ميتون وفرينبرغ إلى أن تغير المناخ هو العامل وراء طفرة مواليد الخنفساء هذه الحيوانات الطائرة الصغيرة الغريبة، ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تمكين هذه الحشرات من إنتاج جيل إضافي كل عام.
4- نجم البحر:
وفقا لدراسة نشرت يستفيد نجم البحر من ارتفاع درجات الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون، وبالمقارنة مع الحيوانات اللافقارية الأخرى، مثل بلح البحر وذوات الصدفتين والمحار يأكل نجم البحر أكثر وينمو بشكل أسرع في درجات الحرارة الأكثر دفئا، وبقيادة ريبيكا جودينج من جامعة كولومبيا البريطانية قام فريق من العلماء بالتحقيق في آثار تغير المناخ على نجم البحر، ولدراستهم وضعوا الحيوانات في أحواض ذات درجات حرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون تتراوح ضمن المستويات الحالية والمستقبلية التي تنبأ بها الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.
ووثق الباحثون أن نجم البحر الذي تم وضعه داخل الحوض بمستوى عال من ثاني أكسيد الكربون زاد في الحجم بشكل كبير، وعلى وجه الدقة، فقد نما بنسبة 67 في المائة أكثر من تلك الموضوعة في أحواض ذات مستويات منخفضة من ثاني أكسيد الكربون، ويمكن أن يعزى التأثير الإيجابي لتغير المناخ على نجم البحر إلى السمات الجسدية للحيوان، بالمقارنة مع الحيوانات البحرية الأخرى، فإن نجم البحر أقل تدريعا، مما يمكنه من التكيف بشكل أفضل مع ارتفاع درجات الحرارة.
5- بجعة عازف البوق:
كاد البجع عازف البوق أن ينقرض في أواخر القرن التاسع عشر، وتم اصطيادهم من أجل ريشهم ولحومهم، ولحسن الحظ، بدأ سكانهم في التعافي بفضل القوانين التي تحظر صيدهم بالإضافة إلى الجهود المبذولة لحمايتهم وإمداداتهم الغذائية في مناطق التغذية الشتوية، وفي السنوات الأخيرة، تعلم العلماء أن هناك عاملا آخر يساعد في تعافيهم، وهو تغير المناخ، ووفقا لفريق من علماء ألاسكا، تساعد درجات الحرارة المتزايدة هذه الحيوانات الرائعة على زيادة عدد سكانه من خلال توسيع النطاق الصيفي للحيوان شمالا إلى موطن لم يسبق استخدامه من قبل، ويساعد تغير المناخ البجع عازف البوق على الوصول إلى آلاف الأفدنة الجديدة التي يمكن استخدامها في التكاثر، وفي السنوات الباردة السابقة، لم يكن من الممكن الوصول إلى موائل التكاثر الجديدة هذه.
6- أفعى الفئران:
وفقا لدراسة أجراها باتريك ويذرهيد من جامعة إلينوي، ستكون أفعى الجرذان قادرة على التكيف مع تغير المناخ والاستفادة منه، وتوصل ويذرهيد إلى هذا الإستنتاج بعد دراسة أفاعي الجرذان عند خطوط عرض مختلفة، وهي تكساس وأونتاريو وإلينوي، وعندما تصبح أكثر نشاطا في الليل ستكون أفاعي الجرذان قادرة على التكيف مع درجات الحرارة المتزايدة، وإن تغير المناخ سيجعل البيئة مفيدة من الناحية الحرارية بالنسبة لهم.
وقد يؤدي هذا إلى زيادة عدد الثعابين بالإضافة إلى توسيع نطاقها، بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد ارتفاع درجات الحرارة أيضا هذه الحيوانات على أن تصبح أقل عرضة من الحيوانات المفترسة، على سبيل المثال، عادة ما يصطاد الصقور أفاعي الجرذان خلال النهار، ومن الواضح أن زيادة النشاط أثناء الليل سيساعد الثعابين على تجنب الصقور والحيوانات المفترسة الأخرى.
7- فراشة أرجوس البنية:
من آثار تغير المناخ أنه يجبر بعض أنواع الحيوانات على الإنتقال من مكان إلى آخر، وبالنسبة للعديد من الحيوانات، يعد هذا التغيير كارثيا، ولكن بالنسبة لفراشة أرجةس البنية، إنه في الواقع شيء جيد، ووجد الباحثون أنه على مدار عقدين من الزمن، زادت فراشة الأرجوس البنية نطاقها في إنجلترا شمالا بحوالي 50 ميلا، وأتاح هذا التوسع باتجاه الشمال لفراشة الأرجوس الوصول إلى مصادر جديدة وأفضل للغذاء، وتحديدا نباتات إبرة الراعي.
وفي الثمانينيات من القرن الماضي كان عدد فراشات الأرجوس البنية في تناقص، ولكن بفضل تغير المناخ، تزدهر هذه الحيوانات في جنوب إنجلترا وتتوسع في الأجزاء الشمالية من البلاد، ولم يكن هذا الإكتشاف المفاجئ ممكنا لولا مساعدة عشاق الفراشات في تتبع أعداد وحركة هذه الحيوانات بدقة، ومكنت البيانات التي تم جمعها من قبل هؤلاء المتحمسين الباحثين من جامعة يورك من استنتاج أن التغيير في النطاق والسكان لم يكن بسبب طفرة ولكن بسبب تغير المناخ.
8- القرقف طويل الذيل:
من حيث حجم الجسم، يعتبر القرقف طويل الذيل أصغر طائر في المملكة المتحدة، وسميت هذه الحيوانات نسبة إلى ريشها الخلفي الذي يكون أطول من جسمها، وبفضل تغير المناخ تضاعف عدد هذه الطيور الصغيرة على مدى العقود الأربعة الماضية، وفي الماضي، ربط العلماء بقاء الثدي طويل الذيل بظروف الشتاء، وكان من المفترض أن يكون الطقس البارد والرطب ضارا لهذه الحيوانات الصغيرة، حيث يصبح الطعام أقل توفرا ، ومن أجل الحفاظ على الدفء، يتعين عليهم استخدام المزيد من الطاقة، ومع ذلك، أظهرت دراسة استمرت 19 عاما أجراها باحثون من جامعة شيفيلد أن ظروف الربيع تؤثر على بقاء القرقف طويل الذيل.
إذا كان الربيع باردا ورطبا، فستجد الطيور صعوبة في تربية صغارها، يعني الطقس الربيعي السيئ أن البيض والفراخ عرضة للإصابة بالأمراض، مثل الزكام، وأن العثور على الطعام سيكون أصعب، ونتيجة لذلك، سينخفض معدل بقاء الطيور البالغة بشكل كبير، لأنها ستصبح منهكة في نهاية موسم التكاثر، ومع ذلك، إذا كان الربيع أكثر دفئا، فإن مهمة تربية صغارهم تصبح أسهل بالنسبة للقرقف طويل الذيل، ومن خلال عدم إجهادهم خلال موسم التكاثر يصبحون أكثر قدرة على التعامل مع طقس الخريف والشتاء في وقت لاحق من ذلك العام.