قرود الشمبانزي لا تكتسب الذكاء عن طريق تقليد الآخرين، حيث أن قرود الشمبانزي مثل البشر، ترث قدرا كبيرا من ذكاء آبائهم، حسب ما كشفته الأبحاث الجديدة، وقاس الباحثون مدى نجاح 99 من قرود الشمبانزي في إجراء اختبارات معرفية، حيث وجدوا أن الجينات تحدد ما يصل إلى 50 % من أداء قرود الشمبانزي.
يقول ويليام هوبكنز، عالم الأعصاب في جامعة ولاية جورجيا في أتلانتا والمؤلف المشارك للدراسة التي نشرت في 10 يوليو في دورية علم الأحياء الحالية، أن الجينات مسألة مهمة، وأن قرود الشمبانزي تعتبر من أذكى الرئيسيات على هذا الكوكب.
ذكاء قرود الشمبانزي :
لا يتحدث الناس عادة عن الذكاء الحيواني، بل عن تعلم الحيوانات أو إدراكهم، وطور علماء النفس الأمريكيون مفهوم السلوكية في أوائل القرن العشرين، والذي قال إن العلماء يجب أن يدرسوا فقط سلوك الحيوانات، وليس عملياتهم العقلية، وكان هذا هو النهج السائد حتى عام 1985 تقريبا.
ولكن في العقود القليلة الماضية، أظهرت الدراسات بشكل مقنع أن الحيوانات قادرة على الإدراك، وقال هوبكنز تشير العديد من دراسات التوائم البشرية إلى أن الذكاء قابل للتوريث، ولكن القليل من الدراسات تناولت ما إذا كان هذا صحيحا في الرئيسيات الأخرى.
في الدراسة الجديدة، منح هوبكنز وزملاؤه قرود الشمبانزي في مركز يركيس بريماتي في أتلانتا، مجموعة من الاختبارات المعرفية التي تم تعديلها من تلك التي طورها باحثون ألمان لمقارنة البشر والقردة العليا، وتقيس الإختبارات مجموعة من القدرات في الإدراك المادي لدى قرود الشمبانزي، مثل القدرة على التمييز بين الكمية والذاكرة المكانية واستخدام الأداة، ودرست الإختبارات أيضا جوانب الإدراك الإجتماعي، مثل القدرة على التواصل.
ابتكر الباحثون نسبا جينيا من قرود الشمبانزي، مبينا كيف كانوا متصلين ببعضهم البعض، وقال هوبكنز إن هذا سيكون مثل اتخاذ مجموعة من 300 شخص عشوائي، والتشبث بهم على كوكب آخر حيث يمكنهم أن يتكاثروا وينجبوا أطفالا، واختبار ذكائهم بعد مرور 50 عاما.
وأظهرت النتائج أن حوالي نصف تقلب أداء الشمبانزي في الإختبارات المعرفية يمكن أن تشير إلى ارتباطها، وقال هوبكنز كنت مندهشا من ذلك، وكان أعلى مما كنت أعتقد، وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن جنس الحيوانات ولا تاريخها (سواء نشأت من قبل أمهم أو من قبل البشر) يؤثر على الأداء المعرفي، كما وجد الباحثون.
الطبع مقابل التطبع لدى قرود الشمبانزي :
في البشر ، يعتقد بعض الناس أن الذكاء هو في المقام الأول نتيجة للتعليم المدرسي، لكن بالنسبة إلى قرود الشمبانزي، لا يمكن أن يكون هذا عاملا، لأنهم لا يذهبون إلى المدرسة، على حد قول هوبكنز، وقال إن حقيقة أننا نستطيع أن نحقق ذلك في كائن حي لا يحمل أيا من أجهزتنا الإجتماعية الثقافية يشير بقوة إلى الدور الذي تلعبه الجينات في ذكاء هذه الحيوانات من قرود الشمبانزي.
قال أليكس فايس، عالم النفس الذي يدرس الرئيسيات غير البشرية ومنها قرود الشمبانزي في جامعة أدنبره في اسكتلندا، والذي لم يشارك في الدراسة، إن النتائج مثيرة للإهتمام حقا، خاصة وأن هذه النتائج تعكس ما وجد لعقود في دراسات التوائم البشرية و العائلات البشرية، يقول فايس إنه يقدم مثالا آخر فقط على أوجه التشابه بين قرود الشمبانزي والبشر.
ولكن في حين تشير النتائج إلى أن الطبيعة أهم أكثر من التنشئة بالنسبة لذكاء قرود الشمبانزي، وقال هوبكنز إن النتائج الأخرى لا تدعم هذا التفسير، ولا تزال البيئة والخبرة تؤثر على الأداء المعرفي، على سبيل المثال، إذا قمت بمقارنة قرود الشمبانزي الذي تم تدريبها على استخدام لغة الإشارة إلى تلك التي لم تكن، فإن قرود الشمبانزي المدربة تعمل بشكل أفضل في الإختبارات الإدراكية، لذلك الرعاية مهمة حقا.
من الغريب أن نتائج الدراسة تدعم فكرة الذكاء العام، وليس نظرية القدرات المتعدد، مثل القدرة الرياضية أو اللفظية أو الموسيقية التي طورها عالم النفس الأمريكي هاورد جاردنر، والذكاء العام يوحي بأن الأفراد من قرود الشمبانزي يمتلكون قدرة تعلم عامة تجعل من المحتمل أن هذه الأفراد التي تمتلك شكلا واحدا من الذكاء سوف تمتلك القدرات الأخرى.
بعد ذلك، سيحاول الباحثون تكرار نتائجهم في مستعمرة أخرى من قرود الشمبانزي، كما أنهم يأملون في دمج عمليات مسح الدماغ في قرود الشمبانزي ، لتحديد ما إذا كانت السمات الوراثية للذكاء ترتبط ببنيات محددة في قشرة المخ، وأخيرا، يهدف الباحثون إلى البحث عن جينات معينة مرتبطة بالذكاء، لمعرفة كيف يمكن تمرير هذه الجينات في قرود الشمبانزي.