هل الديناصورات من ذوات الدم الحار ؟

نظرا لوجود الكثير من اللبس حول ما يعنيه أن يكون أي مخلوق وليس مجرد الديناصورات فقط من ذوات الدم البارد أو من ذوات الدم الحار، فلنبدأ تحليلنا لهذه المشكلة ببعض التعاريف التي تشتد الحاجة إليها، فيستخدم علماء الأحياء مجموعة متنوعة من الكلمات لوصف إستقلاب حيوان معين (أي طبيعة وسرعة العمليات الكيميائية التي تحدث داخل خلاياه)، وفي الكائن ذوات الدم الحار تولد الخلايا الحرارة التي تحافظ على درجة حرارة جسم الحيوان، في حين أن الحيوانات ذوات الدم البارد تمتص الحرارة من البيئة المحيطة.

 

هناك نوعان من المصطلحات الفنية التي تزيد من تعقيد هذه القضية، الأول هو متعلق بالحرارة الثابتة ويصف الحيوانات التي تحافظ على درجة حرارة الجسم ثابتة، والثاني هو الحرارة المتغيرة والذي ينطبق على الحيوانات التي تغير درجة حرارة جسمها وفقا للبيئة.

 

ماذا يعني أن تكون الديناصورات من ذوات الدم البارد أو الحار ؟

نظرا لأنك ربما تكون قد تفاجأت بالتعريفات المذكورة أعلاه، فليس من الضروري أن يتبع ذلك أن الزاحف من ذوات الدم البارد يحتوي فعليا على دم أبرد حراريا مقارنة بالثدييات من ذوات الدم الحار، على سبيل المثال، سيكون دم سحلية الصحراء التي تستلقي في الشمس أكثر دفئا مؤقتا من دم الثدييات المماثلة الحجم في نفس البيئة، على الرغم من إنخفاض درجة حرارة جسم السحلية مع حلول الظلام.

 

على أي حال ، في العالم الحديث، الثدييات والطيور على حد سواء من ذوات الدم الحار، في حين أن معظم الزواحف (وبعض الأسماك) على حد سواء على حد سواء من ذوات الدم البارد، ولكن ماذا عن الديناصورات؟ منذ مائة عام أو نحو ذلك بعد أن بدأت حفرياتها في الظهور، افترض علماء الحفريات وعلماء الأحياء التطوريين أن الديناصورات يجب أن تكون من ذوات الدم البارد، ويبدو أن هذا الإفتراض قد دعم بثلاثة خطوط منطقية متشابكة:

 

1- كانت بعض الديناصورات كبيرة جدا مما دفع الباحثين إلى الإعتقاد بأن عملية الأيض بطيئة بالمقابل (حيث يتطلب الأمر قدرا هائلا من الطاقة في الديناصورات آكلة العشب التي تبلغ وزنها مائة طن للحفاظ على درجة حرارة الجسم مرتفعة).

2- هذه الديناصورات نفسها كان من المفترض أن لديها أدمغة صغيرة للغاية لأجسامها الكبيرة، والتي ساهمت في صورة مخلوقات بطيئة، متثاقلة، ليست مستيقظة بشكل خاص (أشبه بسلاحف غالاباغوس أكثر من فيلوسيرابتورس السريعة).

3- بما أن الزواحف والسحالي الحديثة من ذوات الدم البارد، فمن المنطقي أن الكائنات الشبيهة بالسحلية مثل الديناصورات يجب أن تكون من ذوات الدم البارد أيضا.

 

بدأت هذه النظرة التي تلقتها الديناصورات في التغير في أواخر الستينيات، عندما بدأت حفنة من علماء الحفريات من بينهم روبرت باكر وجون أوستروم في نشر صورة الديناصورات مثل المخلوقات سريعة الحركة والحيوية أقرب إلى الثدييات الحديثة من الحيوانات المفترسة من السحالي، وكانت المشكلة هي أنه سيكون من الصعب للغاية على الديناصورات ريكس الحفاظ على نمط حياة نشط إذا كانت من ذوات الدم البارد، مما أدى إلى نظرية أن الديناصورات قد تكون في الواقع من ذوات الدم الحار.

 

أدلة تثبت أن الديناصورات من ذوات الدم الحار :

نظرا لعدم وجود تشريح للديناصورات الحية فإن معظم الأدلة على عملية الأيض لذات الدم الحار تنبع النظريات الحديثة حول سلوك الديناصورات، وفيما يلي الأدلة الرئيسية الخمسة على أن الديناصورات من ذوات الدم الحار :

 

1- على الأقل كانت بعض الديناصورات نشطة وذكية وسريعة، فإن الدافع الرئيسي لنظرية الديناصورات أنها من ذوات الدم الحار هو أن بعض الديناصورات أظهرت سلوكا ثدييا، وهو ما يستلزم مستوى من الطاقة لا يمكن الحفاظ عليه إلا عن طريق التمثيل الغذائي من ذوات الدم الحار.

2- تظهر عظام الديناصورات دليل على الأيض من ذوات الدم الحار، وأظهر التحليل المجهري أن عظام بعض الديناصورات نمت بمعدل مماثل للثدييات الحديثة، ولديها ميزات مشتركة مع عظام الثدييات والطيور أكثر من عظام الزواحف الحديثة.

3- تم العثور على العديد من أحافير الديناصورات في خطوط العرض العليا، ومن المحتمل أن تتطور الكائنات ذات الدم البارد في المناطق الدافئة، حيث يمكنهم استخدام البيئة للحفاظ على درجات حرارة الجسم، وتستلزم خطوط العرض العليا درجات حرارة أكثر برودة، ولذلك من غير المرجح أن تكون الديناصورات من ذوات الدم البارد.

4- الطيور هي من ذوات الدم الحار، لذلك يجب أن تكون الديناصورات أيضا، فيعتبر العديد من علماء الأحياء أن الطيور هي ديناصورات حية.

5- تتطلب أنظمة الدورة الدموية لدى الديناصورات عملية إستقلاب ذوات الدم الحار، وإذا أبقت الصروبودات العملاقة مثل براشيوسوروس رأسها في وضع عمودي مثل الزرافة فهي تضع متطلبات هائلة على قلبها وأيض ذوات الدم الحار يدعم نظام الدورة الدموية.

 

أدلة تثبت أن الديناصورات ليست من ذوات الدم الحار :

وفقا لعدد قليل من علماء الأحياء التطوريين، لا يكفي القول إنه نظرا لأن بعض الديناصورات ربما كانت أسرع وأكثر ذكاء مما كان مفترضا سابقا، فإن جميع الديناصورات كانت لها عمليات إستقلاب ذوات الدم الحار، ومن الصعب بشكل خاص إستنتاج عملية التمثيل الغذائي من السلوك المفترض، للديناصورات من السجل الأحفوري الفعلي، وفيما يلي الأدلة الرئيسية الخمسة تثبت أن الديناصورات ليست من ذوات الدم الحار :

 

1- كانت بعض الديناصورات أكبر من أن تكون من ذوات الدم الحار وفقا لبعض الخبراء، ومن المحتمل أن تكون الصربوديات التي تبلغ وزنها 100 طن مع عملية الأيض ذات الدم الدافئ قد زاد من درجة الحرارة وماتت، وبهذا الوزن، يمكن أن تكون الديناصورات ذوات الدم البارد لديها ما يسمى بالحرارة الثابتة بالقصور الذاتي أي أنه تم تسخينه ببطء وتبريده ببطء، مما يسمح له بالحفاظ على درجة حرارة ثابتة للجسم أكثر أو أقل.

 

2- كانت فترات العصر الجوراسي والطباشيري حارا ورطبة، وصحيح أنه تم العثور على العديد من أحافير الديناصورات على إرتفاعات عالية ولكن قبل 100 مليون عام ربما كانت قمة الجبل التي يصل ارتفاعها إلى 10000 قدم معتدلة نسبيا، وإذا كان المناخ حارا على مدار السنة، فستفضل ذلك الديناصورات ذات الدم البارد التي تعتمد على درجات الحرارة الخارجية للحفاظ على حرارة الجسم.

 

3- لا نعرف ما يكفي عن حالة الديناصورات، فليس من المؤكد أن الديناصورات باروصوروص ترفع رأسه بحثا عن غذائها، ويعتقد بعض الخبراء أن الديناصورات العاشبة كبيرة الحجم عقدت رقابها الطويلة بالتوازي مع الأرض، مستخدمة ذيولها كوزن موازن، وهذا من شأنه أن يضعف الحجة القائلة بأن هذه الديناصورات تحتاج إلى أيض ذوات الدم الحار لضخ الدم إلى أدمغتها.

 

4- دليل العظام مبالغ فيه، فقد يكون صحيحا أن بعض الديناصورات نمت بمعدل أسرع مما كان يعتقد سابقا، ولكن هذا قد لا يكون دليلا على أيض ذوات الدم الحار، وأظهرت إحدى التجارب أن الزواحف الحديثة يمكن أن تنمو لديها العظام بسرعة تحت الظروف المناسبة.

 

5- تفتقر الديناصورات إلى الصماخ الأنفي لتوفير احتياجاتهم الأيضية، وتتنفس المخلوقات ذات الدم الحار حوالي خمسة أضعاف ما تتنفسه الزواحف، ويوجد لدى الكائنات ذوات الدم الحار هياكل في جماجمها تسمى الصماخ الأنفي التنفسي، والتي تساعد على الإحتفاظ بالرطوبة أثناء عملية التنفس، حتى الآن لم يعثر أحد على أدلة قاطعة على وجودها في أحافير الديناصورات وبالتالي يجب أن تكون الديناصورات من ذوات الدم البارد.


أين تقف الأمور اليوم مع الديناصورات ؟

ما الذي يمكن أن نستنتجه من الأدلة المذكورة أعلاه أن الديناصورات من ذوات الدم الحار والأدلة التي تثبت أن الديناصورات من ذوات الدم البارد؟ يعتقد العديد من العلماء (الذين لا ينتمون إلى أي من الطرفين)أن هذا النقاش يستند إلى إفتراضات زائفة أي أنه ليس من الضروري أن تكون الديناصورات إما من ذوات الدم الحار أو من ذوات الدم البارد مع عدم وجود بديل ثالث.

 

الحقيقة هي أننا لا نعرف حتى الآن بما فيه الكفاية عن كيفية عمل التمثيل الغذائي، أو كيف يمكن أن يتطور لمعرفة أي إستنتاجات محددة حول الديناصورات، ومن المحتمل أن الديناصورات لم تكن من ذوات الدم الحار أو من ذوات الدم البارد، ولكن كان لديها نوع وسيط من الأيض لم يتم تثبيته بعد، ومن الممكن أيضا أن تكون جميع الديناصورات من ذوات الدم البارد أو من ذوات الدم الحار، ولكن بعض الأنواع الفردية طورت تكيفات في الاتجاه الآخر، واليوم، يشترك غالبية العلماء في نظرية أن الديناصورات من ذات الدم الحار، ولكن هذا البندول يمكن أن يتأرجح في الإتجاه الآخر مع إكتشاف المزيد من الأدلة، وفي الوقت الحالي أي إستنتاجات محددة حول إستقلاب الديناصورات يجب أن تنتظر الإكتشافات المستقبلية.

مواضيع مميزة