ما هي الصحة العقلية ؟

كثيرا ما نسمع مصطلح الصحة العقلية المستخدم في إشارة إلى حالات مثل الإكتئاب والقلق وإضطراب ما بعد الصدمة وإنفصام الشخصية، ولكن في الحقيقة تشير الصحة العقلية إلى الحس العاطفي والنفسي والإجتماعي عموما، داخل وخارج سياق الحالات المحددة، وتؤثر الصحة العقلية على الطريقة التي نفكر بها ونشعر بها ونتصرف بها، وإنها تحدد كيفية إدراكنا للعالم، واتخاذ القرارات والتعامل مع التوتر عندما يتعلق الأمر بنا.

 

وتكلم الخبراء عن بعض الطرق التي يمكن للجميع من خلالها التحقق من الصحة العقلية الخاصة بهم بشكل يومي، ووشددوا أيضا على أنه يجب ألا يخجل أحد أو يخاف من طلب المساعدة من الأصدقاء أو الأسرة أو مختصي الصحة العقلية عندما تكون الأوقات عصيبة.

 

عادات الصحة النفسية :

يمكن أن تتأثر الصحة العقلية بالعديد من جوانب حياتنا، بما في ذلك علاقاتنا الإجتماعية، والصحة البدنية، ومستوى الإنتاجية، والوصول إلى الضروريات الأساسية، وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وقد يختلف الأفراد أيضا في صحتهم العقلية بسبب سماتهم الوراثية وشخصيتهم، فضلا عن العوامل الديموغرافية مثل الحالة الإجتماعية والإقتصادية والعرق والهوية الجنسية.

 

قالت دانييل روبينوف أستاذة مساعدة وأخصائية نفسية إكلينيكية في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، على الرغم من إختلاف الصحة العقلية للجميع، إلا أنه يمكن للناس عموما الإستفادة من أداء أنشطة صغيرة للحياة اليومية تساعد على تلبية احتياجاتهم الأساسية، على سبيل المثال، قد يكون الحصول على قسط كاف من النوم والتمرينات الرياضية مفيدا للغاية في الحفاظ على الصحة العقلية، وقال روبينوف، لا نتحدث بالضرورة عن تمرين رسمي، ولكن مجرد الخروج يمكن أن تكون حركة لطيفة مهمة، وأن قضاء بعض الوقت مع أشخاص تهتم بهم سواء كان ذلك الأصدقاء أو العائلة أو زملاء العمل أو المجموعات الإجتماعية ، يمكن أن يعزز صحتك العقلية أيضا.

قال روبينوف الذي يدرس تأثير الشدائد والصدمات المبكرة على الصحة النفسية للأطفال على وجه الخصوص، إن الحفاظ على علاقات داعمة مع مقدمي الرعاية المهمين يمكن أن يوقف تأثير الإجهاد، ومن الثابت أن الصحة العقلية السيئة للأم يمكن أن تعرض أطفالها لخطر أكبر للإصابة بإضطرابات نفسية وصحية مزمنة على سبيل المثال، وفي دراسة أجريت عام 2019 وجد روبينوف أن هذه العلاقة تسير في الواقع بطريقتين، فالمزاج السلبي للطفل قد يؤثر أيضا على الصحة العقلية للأم.

 

قال كارثيك غونيا أستاذ مساعد زائر بجامعة نيويورك وأخصائي نفسي سريري في العيادة الخاصة، إنه خارج نطاق الصحة الشخصية والشبكات الإجتماعية، ويميل الأشخاص الذين يتمتعون بصحة عقلية جيدة إلى التمتع بشعور بالإنجاز والهدف في حياتهم اليومية، وقال إنه في بعض الأحيان يجد الناس قوة في مكان عملهم بينما قد يستفيد الآخرون من إكمال المهام الأصغر، مثل تنظيم المنزل أو إدارة المهمات، ولكن صيانة الصحة العقلية لا تتعلق بالعمل والإنتاجية، وإن إيجاد وقت للأنشطة التي تستمتع بها ببساطة أمر مهم للغاية.

 

التركيز الكامل للذهن أساس الصحة العقلية :

في هذه الأيام التركيز الكامل للذهن هي كلمة شائعة في مناقشات الصحة العقلية، ولكن ماذا يعني ذلك حقا؟ قال جوننيا، هناك اعتقاد خاطئ بأن التركيز الكامل للذهن يساوي التأمل، وفي الواقع، أوضح أن التركيز الكامل للذهن يشير ببساطة إلى فعل لفت انتباهك إلى ما تفعله في الوقت الحاضر، وعلى نطاق أوسع يمكن عتبار التركيز الكامل للزهن حالة من الإهتمام النشط والمفتوح للحاضر.

 

قال غونيا إنه يمارس التركيز الكامل للذهن كل صباح وهو يحتسي قهوة الصباح، وخلال تلك الدقائق القليلة يركز فقط على رائحة المشروب وطعمه ودفئه بدلا من كل ما يحدث في ذلك اليوم، ويمكن للعقل أن يظهر في أي نشاط تقوم به ، سواء أكان شرب القهوة أو المشي إلى العمل أو تمشيط شعرك، وبالطبع يمكن أيضا أن تمارس من خلال التأمل وغيرها من التدريبات أكثر عمدا.

 

قال غونيا إن ممارسة التركيز الكامل للذهن يعتبر مفيدا لأنه يمنع العقل من التركيز على الماضي أو المستقبل، وعادة ما ترتبط بمشاعر الإكتئاب والقلق على التوالي، وأضاف فكرة التركيز الكامل للذهن هي بناء العضلات لتكون قادرة على أن تضع في اعتبارها ما تبقى من اليوم.

 

من خلال التركيز الكامل للذهن، يمكن للناس ممارسة تنظيم إهتمامهم مع الأخذ في الإعتبار الحالة العقلية والجسدية دون إصدار الأحكام وإيجاد التقدير للأشياء الصغيرة في الحياة، وفقا لمقال نشره عالم النفس ريان نيميتش، وقال روبينوف، لأن التركيز الكامل للذهن ينطوي على الإنتباه واللإعتراف بما تشعر به دون محاولة الحكم على أي من هذه الأفكار أو الابتعاد عنها، يمكن أيضا دمج ممارستها في العديد من أشكال العلاج النفسي.

 

قال روبينوف إن الكثير من الناس يعانون من تراجع في الصحة العقلية الخاصة بهم قد لا يشخصهم أخصائيو الصحة العقلية رسميا، ولكن هذه المشاعر لا يزال من الممكن أن يكون لها تأثير كبير على الوظيفة اليومية لشخص ما، وقال، من الطبيعي جدا أن يكون لدى الجميع فترات من وقت لآخر عندما يشعرون بالإرهاق أو الإحساس بالتوتر، وعندما تواجه وقتا عصيبا بشكل خاص، قد يجد الأشخاص أنه من المفيد الوصول إلى شبكتهم الإجتماعية للحصول على وقت للإستماع، ومجرد جعل شخص ما يثبت انفعالاتك تأكد أن عواطفك حقيقية وجديرة بالملاحظة ويمكن أن يساعد هذا في تخفيف العبء العقلي للشخص، وعند تقديم الدعم العاطفي، تجنب عبارات مثل لا شيء يدعو للقلق أو تجاوزه كما نصح.

أضاف روبينوف أنه يمكن للأصدقاء والعائلات المساعدة بطرق أكثر فاعلية، من خلال إدارة المهمات، أو غسل الملابس، أو الطهي، أو الإهتمام بالمهام اللوجستية التي قد تؤثر على عقل شخص ما، وفي بعض الأحيان من الصعب معرفة كيفية دعم شخص ما خلال وقت عصيب، وفي هذه المواقف يمكنك دائما سؤال الشخص نفسه، وقال روبينوف إنه على الرغم من أنه من الطبيعي تماما الشعور بالراحة في بعض الأحيان، إلا أنه عندما تستمر هذه الفترات المظلمة لأيام أو أسابيع، فإنه قد يكون مؤشرا على وجود مشكلة أكبر.

 

قد يظل التصور العام للمرض العقلي ملوثا، لكن تظل الحقيقة أن الإضطرابات النفسية شائعة بشكل لا يصدق، وفي عام 2018، عانى 47.6 مليون من البالغين في الولايات المتحدة من مرض عقلي أي حوالي واحد من كل خمسة أشخاص على مستوى البلاد، وفقا للتحالف الوطني للأمراض العقلية، وحوالي واحد من كل ستة من شباب الولايات المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 17 تعرضوا لإضطرابات الصحة العقلية في عام 2018.

 

لا تشوش الوصمة على تصورات الناس للمرض العقلي نفسه فحسب، بل تشوه أفكارهم أيضا حول طلب المساعدة المهنية، وفقا لمراجعة 2013 في مجلة الصحة والسلوك الإجتماعي، فإن الصور النمطية والوصمات المحيطة بالصحة العقلية تقف حواجز أمام الأشخاص الذين يسعون للعلاج، وأشار روبينوف و وغونيا على حد سواء إلى أن هذه المفاهيم الخاطئة والتحيزات يجب أن تستمر في التغلب عليها.

 

قال روبينوف إن الاعتقاد الخاطئ السائد لدى الناس هو أن الصحة العقلية يجب أن تكون سيئة حقا ومدمرة لكي يسعوا للعلاج، وليست هذه هي القضية، فيمكننا حتى التفكير في العلاج باعتباره وقائيا، وبمعنى آخر يمكن أن يساعد العلاج في معالجة مشاكل الصحة العقلية قبل أن تتفاقم وتفسح المجال أمام الأزمات.

 

ما يمكن توقعه عند طلب المساعدة لتحسين الصحة العقلية :

عند البحث عن طبيب مختص بالصحة العقلية للعمل معه، قد يكون من المفيد طلب توصيات من طبيب محبوب أو من الأصدقاء الذين يتلقون العلاج، وهذا يمكن أن يسرع عملية العثور على المعالج الذي تتعامل معه، وإن لديك أيضا خيار ترتيب مكالمة هاتفية غير رسمية للتعرف على المزود ونهجه قبل الجلسة الأولى، ويمكنك دائما تجربة بعض الأماكن المختلفة للعثور على المناسب أكثر، وإن الجلسة الأولى هي بمثابة وقت للمعالج والعميل للتعرف على بعضهم البعض وملء بعض الأوراق الإلزامية، وتناول الأوراق حق العميل في السرية وتثبت موافقته على تلقي العلاج، وأنت لا تلتزم بأي شيء وراء هذا الإجتماع الأولي، وسيستمر المعالج في شرح مقاربته الشخصية للعلاج وما يمكن توقعه من الجلسة القادمة، ثم يمنح العميل الجديد وقتا للحديث عن سبب قدومه في ذلك اليوم، ومن هناك يستطيع الاثنان مناقشة خطط العمل المحتملة.

 

قال روبينوف، إن بدء العلاج يمكن أن يبدو كالتزام طويل الأجل، لكن في بعض الأحيان تكون بضع جلسات فقط للحصول على الصحة العقلية الجيدة، وبالإضافة إلى العلاج الفردي، يمكن أن تعمل مجموعات الدعم أيضا كمورد لا يقدر بثمن، وعندما يتعلق الأمر بالحفاظ على الصحة العقلية الجيدة، فإن وجود أنظمة دعم قوية أمر أساسي حتى عندما تشعر وكأن أنظمة الدعم في حياتك قد تخلت، فهناك دائما شخص ما جاهز لتلقي مكالمتك.

مواضيع مميزة