نظرة على حياة نيكيتا خروتشوف

قاد نيكيتا خروتشوف الاتحاد السوفياتي في ذروة الحرب الباردة ، حيث شغل منصب رئيس الوزراء من عام 1958 إلى عام 1964 ، وتميز حكم نيكيتا خروتشوف بالمعاداة الشديدة للستالينية وبإرساء الدعائم الأولى لسياسة الانفراج الدولي والتعايش السلمي، وعلى الرغم من أنه اتبع سياسة التعايش السلمي مع الغرب ، إلا أنه حرّض على أزمة الصواريخ الكوبية بوضع أسلحة نووية.

 

وعلي بعد 90 ميل من فلوريدا، بدأ عملية "إزالة الستالينية" التي جعلت المجتمع السوفياتي أقل قمعًا ، ويعد احتجاج نيكيتا خروتشوف في 1960 من العلامات البارزة لفترة الحرب الباردة، إذ نزع حذاءه وضربه على الطاولة في محاولة منه لإسكات الوفد الفليبيني الذي كان ينتقد السياسات السوفيتية، وفي النهاية تم إبعاده من منصبه يوم 14 أكتوبر 1964، وفيما يلي نظرة أكثر عمقًا على حياة نيكيتا خروتشوف...

 

 

الميلاد والنشأة :
ولد خروتشوف في كالينوفكا، وهي قرية روسية صغيرة بالقرب من الحدود الأوكرانية في 15 أبريل عام 1894 ، ثم انتقل مع عائلته إلى مدينة التعدين الأوكرانية يوزوفكا في سن ال 14 ، حيث تدرب كخبير في المعادن وقام بأداء وظائف أخرى غريبة ، وقد تربى نيكيتا خروتشوف تربية دينية ، ولكنه مع ذلك انضم إلى البلاشفة الشيوعيين في عام 1918 ، بعد أكثر من عام على استيلائهم على السلطة في الثورة الروسية .

 

 توفيت زوجة خروتشوف الأولى التي أنجب منها طفلين خلال الحرب الأهلية الروسية اللاحقة ، ثم تزوج مرة أخرى وأنجب أربعة أطفال آخرين.

 

انتقل نيكيتا خروتشوف إلى موسكو في عام 1929 ، حيث ارتفع بشكل ملحوظ وعلا شلأنه في صفوف الحزب الشيوعي، وفي نهاية المطاف دخل إلى الدائرة الداخلية للدكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين ، الذي كان في ذلك الوقت قد عزز سيطرته على البلاد وأقام تطهيرًا دمويًا من الأعداء، وفي هذه الفترة قُتل الملايين من الناس في معسكرات العمل في غولاج ، ومات ملايين آخرين في المجاعات التي جلبتها الزراعة الجماعية القسرية.

 

 

نيكيتا خروتشوف يأخذ مكان ستالين :
حشد خروتشوف قوات لمحاربة ألمانيا النازية في أوكرانيا وفي ستالينجراد خلال الحرب العالمية الثانية ، أما بعد الحرب فقد ساعد في إعادة بناء الريف المدمر ، وكان ذلك في الوقت الذي خنق فيه المعارضة القومية الأوكرانية. عندما توفي ستالين في مارس 1953 ، كان نيكيتا خروتشوف قد وضع نفسه كخليفة محتمل له، وبالفعل بعد ستة أشهر أصبح رئيس الحزب الشيوعي وأحد أقوى الأشخاص في الاتحاد السوفياتي.

 

في البداية ، حكم نيكيتا خروتشوف وغيره من كبار المسؤولين في شكل من أشكال القيادة الجماعية، لكن في عام 1955 قام بتنظيم الإطاحة برئيس الوزراء جورجي مالينكوف واستبدله بحليفه نيكولاي بولغانين، كما أحبط خروتشوف محاولة انقلاب قادها مالينكوف في يونيو 1957، ثم تولى رئاسة الوزراء في مارس التالي.

 

 

نيكيتا خروتشوف وعملية إزالة الستالينية :
ألقى خروتشوف خطاباً طويلاً في فبراير 1956 عندما كان أحد الموالين الستالينيين ، حيث انتقد ستالين لاعتقاله المعارضين له وترحيلهم ، وذلك لرفع نفسه فوق الحزب وقيادة الحرب ، وابتداءً من عام 1957 ، قام نيكيتا خروتشوف ببعض المحاولات البسيطة لإعادة تأهيل صورة ستالين ، لكنه تحول مرة أخرى في عام 1961 ، عندما أعاد تسمية مدينة ستالينجراد وأزال بقايا ستالين من ضريح لينين في الساحة الحمراء في موسكو .

 

كان خطاب نيكيتا خروتشوف السري قد حمّس المتظاهرون إلى أن يخرجوا إلى الشوارع في بولندا والمجر ، وبينما تم حل الثورة البولندية بشكل سلمي إلى حد ما ، تم قمع الثورة المجرية بعنف بالقوات والدبابات ، وإجمالاً لكلاهما قُتل ما لا يقل عن 2500 مجري في أواخر عام 1956، وأصيب حوالي 13 ألف شخص ، وفر الكثيرون إلى الغرب وتم اعتقال أو ترحيل الآخرين.

 

على الجبهة الداخلية عمل خروتشوف علي زيادة الإنتاج الزراعي ورفع مستويات المعيشة ، كما أنه قلل من قوة الشرطة السرية التي كان يخشاها الاتحاد السوفياتي ، وأطلق سراح العديد من السجناء السياسيين ، ورفع الرقابة الفنية وفتح البلاد أمام الزوار الأجانب ، كما افتتح نيكيتا خروتشوف عصر الفضاء في عام 1957 مع إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك، وبعد عامين ضرب صاروخ سوفياتي القمر ، وفي عام 1961 أصبح رائد الفضاء السوفياتي يوري جاجارين هو أول رجل في الفضاء.

 

 

علاقة نيكيتا خروتشوف بالقادة الأجانب :
كان خروتشوف على علاقة معقدة مع الغرب، فقد كان ذو معتقدات شديدة في الشيوعية ، ومع ذلك فضّل التعايش السلمي مع الدول الرأسمالية، وعلى خلاف ستالين فقد زار الولايات المتحدة ، ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين القوتين العظمتين إلى حد ما في عام 1960 عندما أسقط السوفيات طائرة تجسس أميركية من طراز U-2 في عمق أراضيها ، وفي السنة التالية وافق نيكيتا خروتشوف على بناء جدار برلين من أجل منع الألمان الشرقيين من الفرار إلى ألمانيا الغربية الرأسمالية.

 

وقد صلت توترات الحرب الباردة إلى نقطة عالية في أكتوبر 1962 عندما اكتشفت الولايات المتحدة الصواريخ النووية السوفيتية المتمركزة في كوبا، وبدا العالم وكأنه على شفا صراع نووي ، لكن بعد مرور 13 يوماً ، وافق نيكيتا خروتشوف على إزالة الأسلحة، وفي المقابل وافق الرئيس الأمريكي جون ف كينيدي علنًا على عدم مهاجمة كوبا، كما وافق كينيدي سرًا على إخراج الأسلحة النووية الأمريكية من تركيا ، وفي يوليو 1963، تفاوضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي على حظر جزئي للتجارب النووية.

 

ولكن زميل خروتشوف الشيوعي ماو تسي تونغ، زعيم الصين كان أحد الأشواك في جانبه ، وبدءًا من عام 1960 انخرط الجانبان في حرب انتقامية متزايدة من الكلمات ، حيث وصف نيكيتا خروتشوف ماو بأنه "رجعي " وفشل في فهم الحرب الحديثة، وفي غضون ذلك انتقد الصينيون خروتشوف بوصفه "مهرجانا مغنيًا للزمان" وهذا بدون شك قلل من شأن طبيعة الإمبريالية الغربية.

 

 

سقوط نيكيتا خروتشوف من السلطة :
أدت الحرب الانتقامية مع الصين ونقص الغذاء في الاتحاد السوفياتي إلى تآكل شرعية خروتشوف في أعين مسؤولين سوفيات رفيعي المستوى ، والذين كانوا قد انزعجوا بالفعل بما اعتبروه نزعة لتقويض سلطتهم ، وفي أكتوبر 1964 تم استدعاء نيكيتا خروتشوف من إجازة في بيتسوندا ، جورجيا ، وتم إجباره على الاستقالة كرئيس للوزراء ورئيس للحزب الشيوعي ، وبعد ذلك كتب خروتشوف مذكراته وعاش بهدوء بقية أيامه قبل أن يموت بسبب نوبة قلبية في سبتمبر 1971 ، ومع ذلك عاشت روحه الإصلاحية خلال حقبة البيريسترويكا في الثمانينيات.

مواضيع مميزة