من هى الملكة فيكتوريا ؟
سمُيت سنوات حكمها بالعصر الفيكتوري ، الملكة فيكتوريا والتي عرفت ايضا باسم جدة اوروبا ، استطاعت هذه الملكة العظيمة ان تصعد للعرش وهى تبلغ من العمر ثمانية عشر عاما فقط ، وحكمت الملكة فيكتوريا المملكة البريطانية طيلة 64 عاما، فهى تعتبر الملكة الوحيدة صاحبة اطول حكم فى تاريخ بريطانيا، وخلال حكمها اصبحت بريطانيا العظمى امة صناعية قوية ، كما انها عززت امبراطورية كاملة ممتدة حول العالم، بالرغم من الخسارة المبكرة لزوجها الحبيب الا ان الملكة فيكتوريا وفرت استقرار مطمئن خلال القرن التاسع عشر ، فكان يعتبر عصر ملىء بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية .
الفتاة الصغيرة التي ستكون الملكة :
ولدت الملكة فيكتوريا فى قصر كينجستون عام 1819 ، والدها هو الدوق ادوارد (رابع ابناء الملك جورج الثالث) وهو دوق الكنت ووالدتها الاميرة الالمانية فيكتوار، وعلى الرغم من ان الملكة فيكتوريا كانت الخامسة فى ترتيب ولاية العرش الا ان احتمالية تتويجها كانت ضعيفة ، وذلك بسبب حمل والدتها بها في المانيا ، مما جعل الدوق ادوارد يخاف كثيرا ان تولد الملكة فيكتوريا خارج البلاد وتفقد بذلك احتمالية توليها للعرش في المستقبل ، فحرص علي ان تولد علي ارض بريطانيا وانتقل هو وزوجته الي انجلترا .
اسمها عند الولادة هو كريستيند الكسندرينا فيكتوريا ، وبالرغم من انها من العائلة المالكة الا انها لم تنشأ محاطة بالثروة ، وهذا بسبب تبذير والدها الذى ادى لتراكم الكثير من الديون عليه، ولذلك قرر الابوان الانتقال بطفلتهم الرضيعة الى منزل متواضع من اجل تخفيض المصروفات، ومباشرة بعد الانتقال الي المنزل الجديد ، اصاب والدها ادوارد التهاب رئوي وتوفى عام 1820 ، وتوفي ورائه الملك جورج الثالث ، وتولي الحكم من بعده جورج الرابع ، مما جعل ترتيب فيكتوريا لتولي العرش الثالثة بعد اعمامها اللذين لم ينجبوا اي اطفال يحملون العرش من بعدهم .
طفولة فيكتوريا البعيدة عن الملكية :
فقد الملك جورج الرابع وريثه الشرعى الوحيد عند الولادة ، ولذلك كان حاقد دائما على ابنة اخيه، وسمح لها هى ووالدتها بالانتقال لشقة فى قصر كنسينغتون على مضض ، واعطاهم القليل من المال للعيش ، ومن حسن حظ فيكتوريا ان الامير ليوبولد ( ملك بلجيكا في وقت لاحق ) وافق علي الانفاق علي الملكة فيكتوريا وعلي تنشئتها وتعليمها ، فوظف لها العديد من المعلمين الخصوصين لتعليمها التاريخ ، الرياضيات ، الرسم ،واللغات .
ولكن تربيتها مع والدتها الالمانية قد اثرت كثيرا علي لغتها ، فكانت اللغة الانجليزية لديها ليست قوية ، ففي الغالب تحدثت الالمانية في سنوات عمرها الاولي ، ولكنها ايضا سرعان ما تعلمت الانجليزية والفرنسية بسهولة ، و فى عام 1827 عندما بلغت الملكة فيكتوريا الثامنة من عمرها ، توفي عمها فريدريك دوق يورك فجعلها فى موضعة اقرب من العرش .
الثنائى الماكر :
عندما لجأت والدة الملكة فيكتوريا الدوقة المترملة حديثا الى جون كونورى صديق زوجها الراحل لاخذ منه النصح والارشاد ، قام كونورى باقناعها ان تعلن نفسها الوصية على فيكتوريا ، وذلك فى حالة اصبحت فيكتوريا ملكة بريطانيا وهى ادنى السن القانونى، وفى هذه الحالة كونورى سوف يتحكم فى العرش من خلال والدة الملكة فيكتوريا ، وعندما توفى الملك جورج الرابع والذى كان مكروها من قبل كونوري ووالدة فيكتوريا .
اعتقد كل منهما انهم يستطيعون اقناع الملك القادم علي العرش وهو ويليام الرابع بان تكون والدة فيكتوريا الوصية عليها ، ولكن للاسف رفض الملك ويليام الرابع وبشدة ولم يثق في والدة فيكتوريا ، مما جعل الوالدة تقوم بتقديم طلب الي البرلمان وبالفعل حصلت علي الموافقة لتكون وصية علي ابنتها فيكتوريا ، وعند وفاة الملك ويليام الرابع ، وبعد ان اتمت الملكة فيكتوريا عامها الثامن عشر ، اصبحت ملكة انجلترا .
الملكة فيكتوريا فى شبابها :
بعد اسابيع من توليها العرش انتقلت الملكة فيكتوريا الى قصر باكنغهام ، حيث بدأت من هناك مهام حكم البلاد، وقد ابهرت هذه الفتاة الصغيرة رئيس الوزراء ومجلس الملكة الخاص برباطة جأشها وثقتها الكبيرة بنفسها ، عقُد التتويج الرسمى عام 1838 وسط احتفال كبير، والجماهير كانت سعيدة بالملكة الجديدة والتى كانت حريصة على ارضائهم اكثر من سابقيها من الحكام، ولكن جاءت حادثة السيدة فلورا وصيفة والدتها لتقلب ضد الملكة فيكتوريا الرأي العام ، فهي كملكة يجب عليها الحفاظ علي السرية وعدم اطلاق الشائعات ، حيث اعتقدت وقتها ان السيدة فلورا حامل بينما هي كانت لديها ورم في البطن ، وماتت السيدة ولكن ذلك اثار غضب الشعب ، ولذلك عجلت الملكة فيكتوريا من زواجها حتي تتعافي سمعتها وسط الشعب من جديد .
الملكة فيكتوريا والامير البرت: الخطوبة والزواج
شقيق والدة الملكة فيكتوريا اخذ يبحث لها عن مرشح مثالي للزواج الى ان وجد ابن اخيه الالماني الامير البرت ، فكانت هناك بالفعل سابق معرفة بينهما منذ سنتين حيث اعجبت الملكة فيكتوريا بشكله وسلوكه ، وعند لقائهما مرة اخري عام 1839 ، وقعت الملكة فيكتوريا في غرام الامير ، وخلال ايام تم اعلان خطبتهم ، وتم الزفاف عام 1840 ، ولم يحصل الامير البرت علي اية القاب فقد اعترض البرلمان علي ذلك ورفض اعطائه اية القاب لانه يعتبر اجنبي .
النسل الملكي :
استقبل كل من الملكة فيكتوريا وزوجها الامير مولودهما الاول وهي الاميرة فيكتوريا عام 1840، وعلى الرغم من ان الملكة فيكتوريا لم تكن راضية عن حملها السريع فغالبية الوقت اشتكت من صعوبات الحمل فى مذكراتها ، الا انها بعد عام انجبت وريث اخر ذكر اسمه البرت "بيرتى"، ومن عام 1843 الي عام 1857، انجبت الملكة فيكتوريا سبعة ابناء منهم خمسة اناث واربعة ذكور ،ومن المثير للاعجاب ان كل اطفالها تمكنوا من البقاء احياء حتى سن البلوغ على عكس معظم الاطفال فى ذلك الوقت الذين لم يستطيعوا النجاة ، الابن الرابع للملكة وهو ليوبود ولد عام 1853 تم تشخيص اصابته بمرض الهيموفيليا فى سن صغير وهو مرض وراثى ، لذلك توفى فى الثلاثينيات من عمره بسبب هذا المرض .
ولم يقف هذا المرض عند الامير ليوبود فقط وانما خلال زيجات ابناء الملكة قد ظهر مرض الهيموفيليا مرة اخرة فى العديد من العائلات المالكة الاوروبية وعلى الاخص عند ابن القيصر نيكولاس الثانى زوج الكسندرا ابنة فيكتوريا .
دور الامير البرت :
استمتع الامير البرت كثيرا بكونه اب لسبعة ابناء ، ووجد ان بسبب اولاده يجب ان يأخذ مسئوليات اكبر فى القصر الملكى، فكانت الملكة فيكتوريا تعتمد عليه كثيرا فى النصيحة وهو قد رحب بهذا الدور الجديد، وبعد ذلك تم الثناء عليه فكان مسئول عن تنظيم الامور المالية للقصر والقضاء على الهدر فى الانفاق .
قد حصل الامير البرت على اعجاب الشعب البريطانى فى اعقاب محاولة اغتيال الملكة فيكتوريا عام 1840 ، فعندما اطلق الرصاص على العربة الملكية، تصرف البرت بسرعة وبشجاعة ودفع الملكة داخل العربة لتفادى الرصاصة .
قرر البرلمان بعد تحفظات كثيرة ، تعيين الامير البرت وصى عام 1840خلال حمل الملكة فيكتوريا، فكان يمكن ان يكون الوريث للحكم فى حالة ان توفت الملكة اثناء الانجاب او غير ذلك .
الحرب والتمرد :
من عام 1854 حتى 1856 ، دخل البريطانيين فى حرب القرم ، والتى حدثت فى روسيا حيث قضى البرد القارس والامراض وجروح الحرب على العديد من الاشخاص، وذلك كله بسبب افتقار الملكة للخبرة فى المواقف العسكرية، فشعرت وقتها انها مضطرة الى طلب المساعدة، وقامت علي الفور بتنظيم جهود الاغاثة وقامت بزيارة الجنود فى المستشفيات، وبصفتها الملكة الرسمية قامت بكتابة خطابات تعزية لارامل الجنود الذين توفوا فى الحرب .
اما عن الوجود البريطاني في الهند فقد اثار تمرد الجنود الهنود، ففي عام 1857، ادت هذه الانتفاضة إلى مقتل المئات من المدنيين الاوروبي ، ولكن سرعان ما تمت السيطرة على التمرد اخيرا من قبل القوات البريطانية ، واصبحت الملكة فيكتوريا امبراطورة علي الهند في عام 1877 .
وفاة الامير البرت :
الملكة فيكتوريا تحملت اسوأ الاعوام في حياتها ، ففي عام 1861، بدءا من وفاة والدتها في مارس ، ثم وفاة ابنها الاكبر، بيرتي - في وقت لاحق من هذا العام، وبعدهم توفي الامير البرت بعد تدهور حالته الصحية وتوفي في 14 ديسمبر 1861 من سرطان المعدة .
فتصبح الملكة فيكتوريا ارملة في الاثنين والاربعون من عمرها ، فقد دمرت الملكة كليا ، فاصبح الحمل عليها ثقيلا للغاية ، فهي وحدها تواجه واجبات رسمية لها ، فضلا عن رعاية اطفالها، وقالت في مذكراتها انها شعرت بالعجز ، وبدأت في عزلة ، فتجنبت العديد من المناسبات العامة والارتباطات الاجتماعية وحتي انها رفضت مقابلة الزوار الاجانب .
عانى اطفال فيكتوريا ايضا حالة اكتئاب شديدة ، حيث فقدوا والدهم اولا ، والان يفقدون والدتهم ، فهي انغمست في حزنها وتخلت عنهم ، وخاصة الامير بيرتي الذي حملته الملكة فيكتوريا السبب في وفاة والده ، حيث انه اساء التصرف مما جعل مرض والده يتفاقم .
الجمهور والبرلمان بدأوا ان يفقدوا صبرهم مع الملكة التي اهملت واجباتها ،وظلت في حالة حداد لاكثر من ثلاث سنوات .
الملكة فيكتوريا وجون براون :
في محاولة يائسة لمساعدة ملكة الحزن ، اقترح الطبيب الملكي جون براون علي الملكة فيكتوريا ان تذهب في جولة لركوب الخيل لتحسين حالتها المزاجية ، وبالفعل ارسل لها من اسطبلات اسكتلندا فرس لكي تركبه ، و في اوائل 1865 ،وصل جون براون ، الطبيب الوسيم الذي لم يتجاوز عمره التسعة والثلاثون ، استطاع هذا الطبيب ان يقنع الملكة بالخروج علنا للمرة الاولي منذ سنوات ، فمنذ وصوله والملكة فيكتوريا اصبحت في حالة افضل ، فكثرت الاقاويل حول وجود علاقة غرامية بينهم ولكن لم يتم اثبات هذه الاقاويل ، وبقي الطبيب جون براون خادما وصديقا للملكة فيكتوريا حتى عام 1883، حيث توفي اثر عدوى البكتريا العنقودية.
السنوات الاخيرة في حياة الملكة فيكتوريا :
على مر السنين، استعادت الملكة فيكتوريا شعبيتها من خلال بذل المزيد من الجهد ، وذلك بحضور المناسبات العامة والكثير من الاعمال الخيرية ، وكانت علي اتصال دائم برؤساء الوزراء ، وفي عام 1897 احتفلت الملكة باليوبيل الماسي ، وذلك بمرور ستون عاما علي توليها العرش،وكانت فخورة بنفسها كثيرا ، حيث كتُب عنها انها امراة فاضلة وقدوة حسنة .
توفيت الملكة فيكتوريا بازمة قلبية في 22 يناير 1901 ، وتوفت عن عمر يناهز ال 81 عاما ، وتولي من بعدها ابنها الاكبر، البرت، ونجح كثيرا كملك ولقب بالملك ادوارد السابع .