تساعد أجهزة استشعار متطورة توجد على ظهور الحيتان علماء الأحياء الإجابة على سؤالين منذ فترة طويلة، لماذا الحيتان كبيرة جدا وعملاقة ؟ ولماذا البعض الأخر لا ؟ كون الحيتان كبيرة بشكل عام يعزز قدرة الحيتان على الوصول إلى المزيد من الغذاء بأقل مجهود، ومما يساعدهم على إستغلال ثروات أعماق البحار التي هي في متناول العديد من الكائنات الأخرى، ومن خلال تقدير الطاقة المستخدمة والمكتسبة عند البحث عن 13 نوعا من الحيتان وخنازير البحر أظهر العلماء أن حجم المخلوقات يتأثر بإستراتيجية التغذية وتوافر الفرائس.
ذكر باحثون أن أحجام الحيتان ذات الأسنان مثل حيتان الأوركا والتي تستخدم تحديد الموقع بالصدى للبحث عن فريسة فردية يبدو أنها مقيدة بكمية الطعام التي يمكنها تناولها أثناء الغوص، ومع ذلك، ليس هذا هو الحال بالنسبة للحيتان الزرقاء والحيتان الأخرى التي تتغذى عن طريق ترشيح الطعام، والتي تميل إلى أن تكون أكبر بكثير من أبناء عمومتها من الحيتان ذات الأسنان، والحيتان التي تتغذى عن طريق ترشيح الطعام من الماء على قيد الحياة اليوم ليست مقيدة بتوفر الغذاء، مما قد يعني أنها قد تكون محدودة بسبب بيولوجيتها، أو يمكن أن تكون الحيتان في طريقها للتطور لتصبح أكبر وفقا لبعض الدراسات.
يقول سامانثا برايس، عالم الأحياء التطوري بجامعة كليمسون في ساوث كارولينا الذي لم يشارك في البحث هذه دراسة رائعة، ويقول إن علماء الأحياء كانوا يفكرون في تطور المهارة لفترة طويلة ولكن هذه الدراسة ومن خلال جهد لا يصدق حصلت بالفعل على بعض البيانات حول هذه السلوكيات التي يصعب دراستها حول الحيتان، ويقول جيريمي جولدبوغن عالم فسيولوجي مقارن بجامعة ستانفورد إن الحيتان أصبحت أكبر من أي وقت مضى خلال الخمسة ملايين سنة الماضية، وأصبح الحيتان الزرقاء أكبر مخلوق معروفة في تاريخ الحياة، ويقول إن التغييرات في الدورات الجليدية والرياح وتيارات المحيطات قد كثفت من إرتفاع العناصر الغذائية في أماكن خاصة من المحيطات مما أدى إلى ظهور بقع متناثرة ولكن كثيفة من القشريات الصغيرة والأسماك وغيرها من الحيوانات التي تعتبر طعام الحيتان.
كون الحيتان كبيرة ساعدت الحيتان على استغلال هذه المكافآت الغذائية بعدة طرق، ويمكن للمخلوقات الكبيرة الإنتقال إلى مسافات أبعد بإستخدام طاقة أقل لكل وحدة كتلة مما يساعد الحيتان على عبور مساحات شاسعة من المحيطات القاحلة للوصول إلى التيارات المائية، وأجسام الحيتان الكبيرة تدعم أيضا الرئتين الأكبر حجما، وتوفير المزيد من الوقت لدى الحيتان لإطعامها أثناء الغوص.
ببساطة يعتقد أن الحيتان الأكبر كانت أكثر فاعلية في إيجاد الغذاء كما يقول جولدبوغن، ولكن بدون حساب مفصل للطاقة المكتسبة من الغذاء مقابل الطاقة المستنفذة من الغوص والصيد، فقد ظلت هذه الفكرة في الغالب مبهمة، فلم نكن نعرف الكثير عما تقوم به هذه الحيوانات بالفعل تحت الماء.
لذا، استعان جولدبوغن وفريق من الباحثين الدوليين بمساعدة أجهزة الإستشعار المليئة بالتكنولوجيا الملصقة مؤقتا عبر كوب الشفط على ظهور أكثر من 100 فرد من 13 نوعا من الحيتان، وعلى مدار عقد من الزمان قام الفريق بتتبع أكثر من 10000 حدث تغذية من مخلوقات صغيرة الحجم مثل خنازير الميناء التي يبلغ وزنها 50 كيلوجرام مقابل 150000 كيلوغرام من الحيتان الزرقاء، ويقول جولدبوغن لم تكن مهمة صغيرة.
نقلت العلامات التي تضم مستشعرات الضغط ومقاييس التسارع والهيدروفونات والكاميرات مذكرات الحيتان اليومية، ويمكن للباحثين أن يحددوا متى تفتح الحيتان العملاقة التي تتغذى عن طريق ترشيح الطعام من الماء أفواهها لدفع أسراب من الكريل داخله، أو عندما تحدد حيتان العنبر بالصدى الأخطبوط الفريسة، وجميعها سمحت هذه البيانات للباحثين بتقدير مقدار الطاقة التي تستنفذها أنواع مختلفة من الحيتان في كل غوص.
تم الجمع بين هذه العلامات مع قراءات السونار من كثافة الفريسة، وكذلك تشريح معدة الحيتان لرسم صورة مفصلة لمختلف وجبات الحيتان، وسمح ذلك للباحثين بحساب مقدار الطاقة لكل نوع من الحيتان، وبعبارة أخرى، يمكن للفريق تقدير مقدار الانفجارات الحرارية التي تحصل عليها الحيتان من أجل مجهوداتها، مما يكشف العلاقة بين كفاءة البحث عن الطعام والحجم.
تستخدم الحيتان ذات الأسنان مثل حيتان العنبر تحديد الموقع بالصدى للبحث عن فريسة فردية، وعادة ما تكون حبارا أو أخطبوطا، ووجد الباحثون أن كون الحيتان كبيرة يساعدها ذلك في الغوص لأعماق كبيرة من المحيطات والوصول إلى هذه الفريسة ذات السعرات الحرارية العالية، ولكن بعد نقطة، تتلاشى كفاءة البحث عن الغذاء لهذه الحيتان مع زيادة حجمها، وبين الحين والأخر تجد الحيتان الحبار العملاق وتكتسب كمية كبيرة من الطاقة ولكن لا يوجد ما يكفي من هذه الفريسة في المحيط لكي تكبر الحيتان أكثر نظرا للطاقة اللآزمة للغوص والصيد.
على النقيض من ذلك، فإن الحيتان الكبيرة التي تتغذى عن طريق ترشيح الغذاء والتي تستهدف مجموعات كثيفة من الكريل الصغير والقشريات الأخرى تصبح أكثر فعالية من حيث الحجم، وتحصل الحيتان على كمية كبيرة من السعرات الحرارية وتشير الحسابات إلى أكثر من 10 ملايين سعرة حراري كما يقول جولدبوجين، والتي تتطلب مجهودا أقل نسبيا من مطاردة الحبار، وبدلا من أن تكون هذه الحيتان العملاقة محدودة بسبب الإفتقار إلى الفريسة فإن الحيتان الزرقاء وغيرها من الحيتان التي تغذي عن طريق ترشيح الغذاء من الماء قد تكون محدودة بسبب بيولوجيتها، وبدلا من ذلك، قد لا يكون حجم عمالقة المحيط هذه من الحيتان محدودا على الإطلاق، ويمكن أن تكون المخلوقات في طريقها التطوري لتصبح أكبر طالما بقيت أعداد الكريل وفيرة، ويقول جولدبوغن ربما بعد ملايين السنين من الآن سنرى عمالقة أكبر في المحيط.