الكتب كانت أداة لا غنى عنها لتحسين الذات والارتقاء الاجتماعي بالنسبة إلى أندرو كارنيجي، فهو ولد فقيرا يحتاج للعمل منذ صغره بدون أي فرصة للتعلم سوي التي يجدها في الكتب المستعارة من إحدي المكتبات المجانية، لهذا بعد تلقيبه بـ أمير الحديد عزم أندرو كارنيجي علي توفير المكتبات المجانية بكل مكان ليساعد كل متلهف للعلم و لهذا لقب بـ شفيع المكتبات،وفي هذا المقال ستتعرف علي قصة نجاح أندرو كارنيجي و كيف ختم حياته لمساعدة الآخرين .
ولد أندرو كارنيجي فقيرا في اسكتلندا في عام 1835، وهاجر لاحقا إلى الولايات المتحدة كمراهق واستقر في بنسلفانيا مع عائلته، وهو في سن 13 عامًا، كان يعمل بالفعل لمدة 12 ساعة، فقد عمل أولًا كصبي في مطحنة نسيج وفي وقت لاحق عمل في أحد مكاتب التلغراف.
ومع عدم وجود وقت للالتحاق بالمدرسة، اضطر كارنيجي إلى تعليم نفسه عن طريق استعارة الكتب من العقيد جيمس أندرسون، وهو رجل ثري محلي فتح مكتبته الخاصة أمام العمال الشباب في المجتمع، وبعد ذلك، قام كارنيجي بالاقتراض من مكتبة أندرسون المجانية، مما ساعد على شحذ عقله وتخفيف حدة العمل الذي قام به، وكتب في سيرته الذاتية قائلا : بالنسبة لي، أنا مدين للأدب الذي لن أقبل أن أتبادل به مع كل الملايين التي حصدها الإنسان.
وبمساعدة المعرفة التي حصل عليها من الكتب، وصل أندرو كارنيجي لاحقاً إلى قمة النجاح في عالم الأعمال الأميركي، وارتفع شأن الصبي لكي يصبح السكرتير الشخصي، المشرف على السكك الحديدية، المستثمر المالي وصاحب شركة الجسر، وبحلول عام 1870، أسس أول مصنع للصلب، والذي نما في النهاية إلى شركة كارنيجي ستيل القوية.
وفي عام 1901، عندما كان عمره 65 عاماً، باع أندرو كارنيجي الأعمال التجارية إلى المصرف الصناعي جي. بي. مورغان مقابل 480 مليون دولار، أي ما يعادل أكثر من 13 مليار دولار اليوم.
وجعل عملية البيع هذه أندرو كارنيجي أغنى رجل في العالم، وسمى ب "أمير الصلب"، وبالرغم من أنه كان من اغنى رجال العالم إلا أنه لم يكن مقتنعا بالجلوس مكتوف الأيدي ويقوم بمجرد إحصاء ماله، لذلك أعاد ابتكار نفسه كمحسِّن وقضى سنواته الأخيرة مستخدماً ثروته من أجل تحسين أحوال المجتمع.
قد قام معهد كارنيجي للتكنولوجيا بتمويل معاشات التقاعد التي يمولها أندرو كارنيجي للمعلمين، وأنشأ معهد كارنيجي للتكنولوجيا (جامعة كارنيجي-ميلون) فيما بعد، قام بإنشاء مراكز بحثية علمية ومنظمات مكرسة للسلام العالمي، كما قام بتأسيس مدن في جميع أنحاء العالم مع كل شيء بداية من قاعات الموسيقى وحمامات السباحة إلى أعضاء الكنيسة.
وكان أندرو كارنيجي قد بدأ في إهداء المكتبات في أوائل الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وكانت الأولي في مسقط رأسه في دنفرملاين، في اسكتلندا، ولكن بعد بيع أعماله، قام برفقة البرنامج إلى مستوى أعلى، وبدأ بمواقع مبكرة قليلة في بنسلفانيا، وقام في نهاية المطاف بتأسيس 2811 مكتبة حول العالم، اعتبر كارنيجي أن الوصول المجاني إلى الكتب يشكل رصيدا أساسيا للمهاجرين والمواطنين الطموحين الذين يتطلعون إلى تثقيف أنفسهم، مثلما كان في السابق مع مكتبة الكولونيل أندرسون.
وكانت المكتبات الأولى التي تكون لأندرو كارنيجي موجودة في الغالب في أماكن كان فيها مصالح تجارية أو علاقات شخصية، ولكنه في النهاية وسّع نطاق سخائه إلى غالبية العالم الناطق بالإنجليزية، وكان يوجد ما يقرب من 1700 من المكتبات في جميع أنحاء الولايات المتحدة سواء في المدن الكبرى أو في المدن الصغيرة.
كانت هناك مكتبات جامعة كارنيجي في نيويورك وشيكاغو، ولكن أيضا في أماكن أكثر ندرة مثل تالاديجا، ألاباما، ثيرموبوليس، وايومنغ، وكان هناك حتى فرع وحيد في هاواي، وتم إنشاء عدة مئات من مكتبات كارنيجي الأخرى في كندا وإنجلترا واسكتلندا وأيرلندا، وكانت هناك أيضا مكتبات متفرقة في أماكن بعيدة مثل منطقة البحر الكاريبي وجنوب أفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا وحتى جزيرة فيجي في المحيط الهادئ.
بمرور الوقت، طور كارنيجي عملية متخصصة لتمويل مكتباته، وكانت الكثير من المجتمعات تبحث عن منحة رسالة إلى كارنيجي، وقاموا بعمل دراسة أدرجوا فيها عدد السكان، وأسبابهم في الحاجة إلى مكتبة، وشريطًا من الأراضي المملوكة ملكية عامة حيث يمكن تحديد الموقع المناسب، و بعد ذلك، سيوفر كارنيجي المال لبناء المبنى نفسه والذي عادة ما يكون حوالي 10،000 دولار، كما طالب كل مدينة متلقية أن تحصل على ما لا يقل عن عشرة في المائة من منحة كل عام لتمويل رواتب موظفي المكتبة وتكاليف التشغيل، وهي ممارسة أعتقد أن المجتمعات المحلية استثمرت فيها لنجاح المبنى.
وفي حين أن المكتبات لم يكن لديها أبداً أسلوب معماري معين، كان كارنيجي بيرترام يقومون بتزويد المجتمعات في نهاية الأمر بكتيب قصير يتضمن قوالب تصميم، كما أشاروا إلى أن كل مبنى يضم مسرحًا صغيرًا للمحاضرات والبرامج التعليمية، ولم يطلب كارنيجي تسمية المكتبات باسمه، لكنه كان يطلب في بعض الأحيان أن يكون اسماء المكتبات من الأسماء المشرقة.
برنامج كارنيجي يشكل أكبر استثمار فردي في المكتبات العامة في التاريخ الأمريكي، وبالرغم من ذلك كان له منتقديه، فيعتقد البعض أن الملياردير السابق كان يحاول صقل صورته بعد سنوات من الممارسات التجارية الحادة، كما أن ضغطت النقابات العمالية من حين لآخر ضد منحه، ومع الوقت عجزت العديد من المدن الأخرى عن تحمل تكاليف توفير التمويل السنوي إلى مكتباتها.
لكن بالنسبة لكل مجتمع رفض مال كارنيجي، يوجد به الكثيرون تقبلوا، وخلال الفترة التي كانت فيها الكتب في الغالب متاحة فقط من خلال خدمات الاشتراك، أدت منح كارنيجي إلى انفجار الاهتمام في المكتبات المجانية للجميع، وخاصة في المدن الصغيرة في الغرب الأوسط، فعلى سبيل المثال، حصلت إنديانا على 156 منحة من منح كارنيجي أي أكثر من أي ولاية أخرى في الاتحاد.
بحلول نهاية حياته، يمكن أن يدعي كارنيجي أنه الممول الأساسي لما يقرب من نصف جميع المكتبات العامة في الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين هدمت بضع مئات من المباني أو دمرت بسبب الحرائق، ولكن معظمها ما زال قائما، وما زال نصفها يعمل مكتبات، وتشمل بعض الأمثلة البارزة مكتبة ديترويت العامة ومكتبة كارنيغي في بيتسبرغ.
كل ما قيل، إن أندرو كارنيجي أعطي في نهاية المطاف ما يقرب من 90 في المئة من ثروته الشخصية خلال حياته، وانفق حوالي 60 مليون دولار أي ما يعادل حوالي 1.5 مليار دولار لمجرد بناء المكتبات، وبحلول الوقت الذي توفي فيه في عام 1919، كان "أمير الحديد" السابق وقائد الصناعة كما انه كسب لنفسه لقبًا جديدًا وهو "شفيع المكتبات".