كانت واحدة من تلك اللحظات عندما يتغير العالم إلى الأبد، ففي 10 مارس 1876 كان توماس واتسون يحدق في قطعة غريبة من الأجهزة الكهربائية عندما سمعها تتحدث الكلمات التي صنعت التاريخ، وهو إختراع التليفون قال السيد واتسون في تعجب لزميله، تعال إلى هنا أريد أن أراك، وهذه الصيحات تمثل علامات على اللحظة التي ظهر فيها الهاتف بشكل صحيح وذلك بفضل زميل واتسون الرائع ألكساندر جراهام بيل (1847-1922)، ومنذ تلك اللحظة أي قبل أكثر من قرن بقليل، أصبح الهاتف أحد أكثر الإختراعات شيوعا في العالم، وبصرف النظر عن التعامل مع المكالمات الصوتية فهو يساعدنا على إرسال المستندات عن طريق الفاكس كما أنه البنية التحتية الأساسية التي تم بناء الإنترنت عليها، وتبدو الهواتف بسيطة للغاية، لكن ما هي بالضبط وكيف تقوم بتوجيه مكالماتنا حول العالم؟ دعونا نلقي نظرة فاحصة.
كان إختراع التليفون يستخدم قطعا باهظة الثمن ومكلفة من المعدات، وحتى أصبح الهواتف المحمولة شائعة منذ الثمانينات، كانت ثابتة في موقعها، وعند إجراء مكالمة هاتفية ، يصل الرقم الذي طلبته إلى مكان محدد، وغالبا ما كان عليك أن تطلب التحدث إلى الشخص الذي تريده والإنتظار، وتحولت الهواتف المحمولة، والآن، لا يتم ربط أرقام الهواتف بالأماكن بل بالأشخاص الذين يأخذون هواتفهم وأرقام هواتفهم أينما ذهبوا، حتى من بلد إلى آخر.
هل سبق لك أن حاولت صنع هاتف من العلب الصفيح والخيط؟ يمنحك هذا نظرة ثاقبة حول كيفية نقل إختراع التليفون لأصوات الناس من مكان إلى آخر، وعادة، تنتقل الأصوات عبر الهواء كموجات غير مرئية تنقل الطاقة من شيء يهتز إلى طبلة الأذن لدينا، ويكون إرسال الأصوات عبر الهواء جيدا عندما يكون الشخص الذي نريد التحدث إليه جالسا في نفس الغرفة، ولكن إذا كانوا في مبنى آخر أو حتى في بلد آخر فنحن بحاجة إلى شكل مختلف من الإتصالات.
في القرن التاسع عشر قبل إختراع التليفون مباشرة، كانت قطعة أخرى من المعدات الكهربائية تسمى التلغراف هي قمة تكنولوجيا الإتصالات، وكان التلغراف عبارة عن دائرة كهربائية بسيطة تمتد لأميال عديدة بين بلدتين، وعادة بجانب خط سكة حديد، ويمكن إرسال الرسائل ذهابا وإيابا أسفل خط التلغراف كتدفقات من الكهرباء، كيف يعمل ذلك؟ فكر بالمصباح اليدوي، إنها دائرة كهربائية أساسية جدا، حلقة من الكبل تربط بين المصباح والمفتاح والبطارية، وعادة، عندما يكون المصباح مغلقا يتم ضبط المفتاح بحيث يفصل الدائرة، والمفتاح هو نوع من الجسر المتحرك الذي يوقف سريان التيار الكهربي، وعندما تنقر على المفتاح فأنت تخفض الجسر المتحرك ويمكنك إزالة الفاصل في الدائرة، وبالتالي تتدفق الإلكترونات من البطارية بإستمرار وتضيء المصباح، ومن هنا تم إختراع التليفون.
أحدث التلجراف ثورة في الإتصالات، ولكنه كان بطيء وشاق الإستخدام، وإحدى الصعوبات الرئيسية كانت أن يتعلم الناس حروف شفرة مورس قبل أن يتمكنوا من إرسال وإستقبال الرسائل، وهناك مشكلة أخرى تتمثل في ضرورة إرسال الرسائل وتلقيها في مكاتب التلغراف الخاصة، ولم يكن من الممكن إرسالها مباشرة إلى منزلك، وإختراع التليفون غير كل ذلك.
إختراع الهاتف يشبه التقاطع بين العلبة الصفيح والتليجراف، فعندما تقوم بالاتصال بصديق من خلال العلبة الصفيح، يمكنك التحدث في العلبة في نهاية واحدة وصوتك يجعل العلبة تهتز، ثم يحمل الخيط الإهتزازات إلى العلبة التي يمسكها صديقك، والتي تهتز أيضا وتنتج أصواتا يمكن أن يسمعها، والعلبة الصفيح لا تشبه التلغراف، حيث لا يمكنك التحدث في التلغراف، وبدلا من ذلك، يمكنك إرسال رسائل كنبضات مشفرة للكهرباء عن طريق النقر فوق مفتاح التشغيل وإيقافه، ولنفترض أنه يمكنك الجمع بين هاتين الفكرتين، ماذا لو تمكنت من تحويل صوتك إلى إشارة كهربائية يمكن حملها بسلك من أي طول، ثم العودة إلى صوت يمكن لشخص آخر سماعه من الطرف الآخر؟ كانت تلك هي الفكرة التي طرأت لألكساندر جراهام بيل وهذا هو المبدأ وراء إختراع التليفون.
مما يتكون إختراع التليفون ؟
إختراع التليفون ليس فقط الشيء الذي يجلس على طاولتك في المنزل، إنه نظام كامل الهاتف في نهايته مع الكابل الذي يمتد إلى الحائط ومجموعة كاملة من أجهزة الاتصال (الكابلات النحاسية، والألياف البصرية، وأبراج الميكروويف، والأقمار الصناعية) التي تحمل إشارات الهاتف في جميع أنحاء البلاد، وبعض أجهزة التبديل التي تتأكد من وصول المكالمات إلى المكان الصحيح وهاتف في الطرف الآخر.
دعونا نفكر في سماعة إختراع التليفون النموذجية، في الجزء العلوي هناك مكبر صوت تضغطه على أذنك، وفي الأسفل، يوجد ميكروفون تضعه بالقرب من فمك، ويخرج من الهاتف مغلف داخل كبل سميك واحد ملفوف، وزوجان من الأسلاك النحاسية، زوج واحد هو مخرج، حيث يأخذ الإشارات الكهربائية الصادرة من الميكروفون إلى نظام الهاتف، والزوج الآخر هو مدخل حيث يأخذ الإشارات الواردة من نظام الهاتف إلى مكبر الصوت.
يعمل مكبر الصوت والميكروفون في سماعة إختراع التليفون بطرق متشابهة ولكن معاكسة، ويحتوي الميكروفون على قطعة بلاستيكية مرنة تسمى غشاء مع لفائف حديدية متصلة به ومغناطيس قريب، وعندما تتحدث، فإن طاقة الصوت في صوتك تجعل طبلة التليفون تهتز، مما يحرك الملف بالقرب من المغناطيس أو أبعد منه، ويولد هذا تيارا كهربائيا في الملف يتوافق مع صوتك، وإذا كنت تتحدث بصوت عال، يتم إنشاء تيار كبير، وإذا كنت تتحدث بهدوء، فإن التيار يكون أصغر، ويمكنك التفكير في الميكروفون كجهاز لتحويل الطاقة فهو يحول طاقة الصوت في صوتك إلى طاقة كهربائية، وما يسمى بتحويل الطاقة من شكل إلى آخر يسمى محول الطاقة، ويعمل مكبر الصوت في سماعة إختراع الهاتف في الإتجاه المعاكس فهو يأخذ تيارا كهربائيا واردا ويستخدم المغناطيسي لتحويل الطاقة الكهربائية مرة أخرى إلى طاقة صوتية يمكنك سماعها، وفي بعض الهواتف، تكون وحدات مكبر الصوت والميكروفون متطابقتين تقريبا، حيث يتم توصيلهما بطرق معاكسة.
من قام بإختراع التليفون ؟
على الرغم من أن ألكساندر جراهام بيل (1847-1922) ينسب إليه عموما إختراع التليفون، إلا أن قصته مثيرة للجدل، حيث أصبح بيل مهتما بالصوت والكلام إلى حد كبير لأن والدته كانت صماء، وكل من والده وجده كانا خبراء في تعليم الصم وأصبح بيل أيضا مدرسا للصم قبل أن يظهر إسمه كمخترع.
لكن مخترعين آخرين كانوا يعملون على فكرة إجراء إتصال هاتفي في نفس الوقت الذي كان يعمل فيه بيل، على سبيل المثال، قدم إليشا غراي (1835-1901) براءة إختراع على إختراع مماثل بعد ساعات قليلة من تقديم بيل طلب البراءة الخاص به، ويبدو أن المخترع الثالث أنطونيو ميوتشي (1808-1889) قد طور الهاتف في أربعينيات القرن التاسع عشر، أي قبل سنوات من بيل أو جراي، وفي عام 2002 تم الإعتراف بمساهمته أخيرا عندما أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون على شرفه.